جاري تحميل ... مجلة أيامنا

إعلان الرئيسية

كتاب أيامنا

عددنا الورقي

ترجم إلى

زيارات الموقع هذا الشهر

إعلان في أعلي التدوينة

أدبالأحدث

السيد الزرقاني يكتب:قصة (بائعة الشاي)

 


بائعة الشاي 











قصة د/السيد الزرقاني

 

-1-

انطلقت تحمل في يدها صينية الشاي كانت محطة القطار مزدحمة بالركاب مع بداية موسم الامتحانات الطلاب هنا وهناك في تجمعات صغيرة كل منهم يلهو في نقاش حول مادة الامتحانات والبعض الأخر يلهو با للعب علي الهاتف الذي يحمله .كانت تمر بين الركاب حاملة بضاعتها عليهم ففي مثل هذه الأيام تكون بضاعتها رائجة خاصة في فترة الصباح والمساء حيث يكون هناك طلب كبير علي الشاي والبسكويت الذي تحمله كانت خصلات شعرها مفرودة يداعبها الهواء و فهي في العقد الثاني من عمرها ولا تتذكر في يوم ولدت ولا تدري اي شيء عن أيامها الماضية،فهي لا تدري من حياتها سوي تلك العجوز التي تجلس في هذا الكشك الخشبي الصغير علي أخر الرصيف مع زوجها القعيد الذي تقوم هي برعايته،كثيرا ما تستيقظ في الليل فتجد تلك العجوز تجلس عند قدميه تبكي وتعينه علي قضاء حاجته في صفيحة قديمة أعدت لذلك وتخرج في البرد القارص لتتخلص منها في حمام السكة الحديد وتقوم بتجهيز عدة الشاي ليلا حتي إذا كان قطار الفجر يكون كل شيء على ما يرام ،وعندما تفرغ من بيع كل ما معها تعود مسرعة إلي العجوز مبتسمة تلقي في حجرها ما جمعته من مال بدون عد وتطلب منها إعداد طلبيه أخر فتنظر إليها العجوز وتأخذها برفق تحت ذراعها وتسألها هل هناك احد يضايقها علي الرصيف وإذا وجد من يفعل ذلك تجر إليه مسرعه تنهره بعبارات قاسية حتي لا يعود إلى ذلك مرة أخرى ،فتغمرها فرحة داخلية بالغة وتقوم في كل خروجه لها بتقبيل رأس العجوز وكانت تناديه دائما (يا أبو سيد) ولا تتذكر في اي مرة أنها لقبته ب (بابا) فالعجوز كانت دائما تقول لها عمك السيد وفي مرات عديدة سألتها عن ماضيها هي إلا أن العجوز لم تخبرها بشيء عنه وظل هذا الماضي بئر عميق لا تدري عنه شيء ، كان الليل يأتي عليها فتضمها العجوز في حصنها داخل تلك البطانية التي أتت بها سيدة أنيقة في ملابسها مع بعض الملابس الجديدة اي ولها ، سألتها في يوم من الأيام عنها لم تجيبها بإجابة مفيدة كانت الحياة في هذا الكشك الخشبي غامضة فهي اعتادت علي ذلك وماتت كل الأحلام في عينيها فهي لم تلتحق بالتعليم ولكنها تعلمت قراء بعض الكلمات وكتابتها من كثرة اختلاطها بطالبات الجامعة اللاتي يسافرن يوميا بالقطار وكانت تقف معهم كل صباح وتطمئن علي عودهم كل مساء كثير منهن ظل علي علاقة بها طوال دراستهم الجامعية وكانوا يقدمون إليها بعض الملابس التي تضيق عليهن كانت تدخل إلي الكشك كل مساء وتأخذ احدي البلوزات أو البناطيل وتدخل إلي حمامات المحطة لتغيير ملابسها والاستحمام خاصة في فصل الصيف ،كانت العجوز تغير لها ملابسها وهي صغيرة في الكشك و تجد في ذلك حرجا أمام زوجها القعيد حتي بلغت الثانية عشر من عمرها وبدأت ملامح الأنوثة تظهر علي جسدها حيث خدودها الخمرية ونهداها الصغيران كا حبات الرمان وجسدها الملفوف كا أعود الزان ، أخبرتها العجوز بان عليها الاستحمام وتغير ملابسها في حمام المحطة وسوف تكون معها تقف لها علي باب الحمام ، كانت كلها ذكريات تمر عليه ا يوما في فترات الراحة بين الحين والأخر حيث كانت تأخذ كوب من الشاي وتجلس عند أخر الرصيف الاتجاه نحو مدينة طنطا ، فكرت كثيرا في ركوب القطار وتبيع للركاب بين المحطات إلا أن العجوز كانت تحذرها ودائما تقول لها أن من يركب القطار لا يعود وتبكي ولم تجد تفسيرا لذلك وسألتها كثيرا ولكنها لم تكن  تسمع منها أي إجابة و أن سؤالها يجدد عليها الكثير من الأوجاع فقررت إلا تسألها مرة أخرى، في مرة من المرات لمحت شاب اسمر نحيل يحمل أوراقا يفتحها ويدون فيها بعض الكلمات ويغلقها مرة أخر ...اقتربت منه وجدته يحمل صورة لامه التي فقدها ويحاول أن  يخبيها عن الآخرين فهو شاب في العقد الثالث من من عمرة يبدوا انه انهي دراسة، تكرر تواجده علي الرصيف مرات عديدة كان ينظر إليها ويعلوا جبهته لمحة من الحزن وفي مرة من المرات طلب منها كوب شاي بدون سكر وجلس يشربه وينظر إليها في تأمل وهي تطوف بين رواد المحطة في خفة ورشاقة




-2-

- في صباح اليوم التالي لمحته يجلس في ذات المكان وكأنه يحمل بداخله هم كبير تلمح في عينيه قلق وحزن ، حين اقتربت منه أشار لها بأن تحضر له كوب من الشاي بدون سكر فأسرعت إليه وقدمت له الشاي وكان قلبها يدق بسرعة انتابها إحساس شديد بالرغبة في التحدث إليه لتعرف سر تلك الملامح 1الحزينة التي تراها موشومة في جبينه ، مد يده في رفق واخذ منها الكوب ولمح هو الأخر الحيرة في عينيها ،تركته يتناول الشاي وسعت إلي حال سبيلها تعرض بضاعتها علي رواد المحطة تبتسم لهذا وتضحك مع ذاك فهي صارت مألوفة لغالبية الركاب وصار ت تفهم تلك الإشارات التي يرسلها البعض ، حاولت إن تسأل عنه احدي البنات من ركاب القطار إلا أنها لم تحصل علي اي معلومات ،شرب الشاي وترك الرصيف ومضي وترك الحيرة في قلبها الذي تعلق به سهوا وأصبحت أسيرة تفكر فيه ولم يبرح خيالها ، مر اليوم ثقيلا عليها وكانت تتمني ان يعود في المساء لكنه لم يأتي ومع ظلام المساء اندست في البطانية وغلبها النوم من كثرة التعب طوال النهار، علي غير العادة لم تنتظر ضمة العجوز لها مثل الليالي السابقة ، وفي الصبح استنهضت نفسها خارج الكشك الخشبي لتبدأ يومها المعتاد مع قطار الصحافة ولا يأتيه إلي صاحب السفر البعيد ، كانت تبحث وسطهم في هذا الوقت البكور عن ذلك الشاب الأسمر النحيل الذي أصبح يشغل حيز من تفكيرها ولكنها لم تجده ، ومع اشراقة الشمس لمحته من بعيد يصعد درجات الرصيف المقابل أحست بقلبها يرقص فرحا بقدومه وكادت تسقط من سرعة دقاته لمجها من بين الركاب والمسافرين فا يدي وجهه مشرقا وابتسم ابتسامة خفيفة وتظاهر لها بأنه في طريقه إلي مكانه المفضل عند نهاية الرصيف فأعدت كوب الشاي بدون سكر وأسرعت إليه وكان يخرج بعض أوراقه وامسك قلمه وراح يرسم لوحة بقلمه الرصاص وعندما اقتربت وجدته يرسم وجهها بنظرات سارحة في ملكوت الكون فامتلكتها دهشة وفرح في ان واحد، ومدت يدها وقدمت له الشاي دون ان تنطق بكلمة واحدة وانطلق بين زبائنها تكاد تطير من علي الرصيف وعندما فرعت من بيع كل ما معها عادت الي الكشك الخشبي وألقت بكل ما معها من أموال في حجر العجوز التي بدي عليها الحزن لتأخر حالة زوجها القعيد وارتفاع حرارته بشكل علي غير المعتاد ، أشارت عليها أن تذهب به إلي المستشفى وهي تباشر العمل حتي تعود ، كانت ستحكي لها عن هذا الشاب الا أنها أدركت أن الوقت غبر مناسب ألان فصبت لنفسها كوب من الشاي بدون سكر وذهبت إلي جواره وجلست تتناوله في صمت ولكن نظرات العيون الأربع قالت ما لا يبوح به اللسان.

 


-3-



وعند انتصاف النهار عادت السيدة العجوز إلي الكشك الخشبي تحمل بداخلها حزن شديد بعد الانتهاء من دفن زوجها القعيد بعد وفاته بالمستشفي في احدي مقابر (الصدقة)في احدي القري القريبة من المحطة ،دخلت عليها فوجدتها تبكي بشدة فارتمت في حضنها لعلها تخفف عنها الم الفراق المرير الذي الم بها اليوم ،أعدت لها كوب من الشاي وأعطته لها وقالت لها علينا أن نعد تنفسنا علي الوضع الجديد ، رغم ان وجود زوجها القعيد كان عبء عليهما إلا أن العشرة كان لها اثر

كبير فيهما ، حملت بضاعتها والدموع غالبة قلبها وعينها في آن واحد وانطلقت بين الزبائن تحاول النسيان والخروج من تلك الحالة تمنت ان تركب القطار القادم وتنطلق معه إلي إي اتجاه لتخرج من عنق الوحدة التي قتلت بداخلها الكثير من الأحلام عيشتها في عيون البنات من رواد المحطة وتسألت لماذا تمنعها العجوز من ركوب القطار ودائما تحذرها من ذلك؟؟؟

-لمحته يجلس عند نهاية الرصيف جرت إليه وتمنت أن ترتمي في أحصانه صبت له كوب من الشاي بدون سكر سألها مالك؟؟

-لاشيء ....احكي لي أنت ما حكايتك.؟

-تهمك تعرفي حكايتي

 نعم يهمني جدا احكي لي سأسمعك فكم اشتقت لأسمعك منذ رايتك للمرة الأولى

حكي لها عن أمه الحنون التي ماتت وهو صبي وزوجة أبيه التي تعامله بقسوة فيبات ليله يبكي في صمت وكان يخاف أن يحكي لأبيه حتي لا يقسو هو الآخر عليه او تزيد هي من قسوتها عليه ...وتحمله كل ذلك حتي انتهي من دراسته في المدرسة التجارة واخذ يفكر في الرحيل عن المنزلة أخبره بعض الزملاء بالرحيل إلي مدينة طنطا أو الإسكندرية للعمل فيها بأي حرفة...اخبرها انه عندما جاء إلي المحطة أول مرة كان في انتظار صدبقه ليسافر معه إلا أ نه لم يأتي فجلس في هذا المكان لانتظاره حتى وقعت عيناه عليها فتعلق بها واجل فكرة الرحيل ولكنه أصر انه لأحل لمشكلته سوي الرحيل والهجرة من تلك القرية من تلك الوجوه. .اخبرها انه يحلم بان يكون له بيت مستقل خاص بهما وهذا لن يتحقق إلا بالرحيل ، كان قلبها البريء ينقبض كلما كان يذكر كلمة الرحيل فتحجرت الدموع في عينيها ربما لأنها تعلقت به وأصبح لها هو السبيل الوحيد الذي يستطيع ان يعبر بها الي عالم آخر حلمت به في الليالي الكثيرة بين طيات البطاطين في هذا الكشك الخشبي الذي تأوي إليه كل مساء في حضن الارملة العجوز، توسلت إليه ألا يرحل بعيدا فصمت وقتا طويلا واخرج من بين أوراقه صورة لسيدة جميلة تبدو أنها في العقد الثالث اخبرها انها امه وقبلها وقالها كان نفسها تشوفني حاجة كويسة وأنا نفسي أحقق حلمها وحلمي وحلمك أنت أيضاً، تركها ومضي دون أن يسمع منها أو حتي يسألها عن أبيها أو أمها فعادت مسرعة الي الكشك الخشبي وانزوت في تحد أركانه تريد ان تعرف ماضيها من العجوز فهي تعلم أنها ليست أمها ولا القعيد الذي مات هو أبيها؟؟؟ 

تريد ان تعرف لماذا تحذرها دائما من ركوب القطار ؟

سألتها العجوز ماذا بك هل هناك من يضايقك من الزبائن

- لا ولكن عندي اسأله أريد أن اعرف أجابه لها -

-انا عارفة كل مايدور بداخلك وحاسة بيك لكن عاير أقولك ستعرفين كل شيء في حينه ليس وقته الآن؟؟

 وقامت وصمتها وقبلتها وطبطبت عليها وغمرهما بكاء دافيء طيب خاطرهما معا


-4-



حين خيم الهدوء علي رصيف المحطة في ليلة شتوية قارصة البرودة وكان الظلام متناثرا بين حبات أشعة باهتة لمصابيح الهيئة جنحت العجوز إلي احد أركان الكشك الخشبي بعد ان تناولت قليل من الطعام وفي الجهة المقابلة كانت تجلس هي الاخري محاولة اقتناص بعض الدفء من البطانية إلي التفت بها ،كان الرصيف خاليا إلا من ناظر المحطة الذي فضل الجلوس داخل مكتبة والصول (جابر)الذي كان يرتدي بدلته الشتوية ولا يعير يرد الشتاء اهتمام،لم يطل الصمت بينهما حتي قامت العجوز وفتحت صندوقا خشبيا كان في احد الأركان بداخل الكشك الخشبي وكان زوجها القعيد يتكئ عليه كل مساء ولم يفتح أمامها طوال السنوات الطويلة التي عاشت فيها معهم ، أخرجت العجوز صورة لفتاة صغيرة وقبلتها واندست بجوارها تحت البطانية وهناك دمعة متحجرة في عينيها وضمتها إلي حضنها وقبلتها وقالت لها هذه (زينب) أختك ؟

-أخذتها دهشة وحضور ذهني ونظرت اليها نظرة حادة وسألتها وأين هي؟

-- لا ادري خرجت مع عمك السيد في يوم من الأيام للبيع في القطار فتجمع عليهم بعض بلطجة القطار في طنطا وخطفوها منه وعندما حاول التصدي لهم أشبعوه ضربا هتي صار كيفما كنت تشاهديه وحمله بعض الركاب من رواد هذه المحطة واأتوا به ووضعه على لي الرصيف إمامي وعندما سألته عن زينب لم يستطع الكلام وظل مهزوما في نفسه طوال أكثر من خمسة عشرة سنة حتي توفي ولا ادري عنها شيء غير انهم خطفوها وكانت طفلة جميلة ودمها خفيف ،حاولت الذهاب لأبحث عنها إلا أنه رفض وخاف عليا أنا الأخرى وكان دائما يحذرني من ركوب القطار وأنا أيضا كنت أخاف عليك أيضاً من ركوب القطار لان من يركبه لا يعود وأنا ليس لي إلا أنت ، وانهمرت عينيها بالبكاء وضمتها الي حضنها في تلك الليلة الباردة وكلاهما تحتمي بالاخري من البرد وقسوة الحدث عليهم ، في الصباح الباكر حضر الشاب الأسمر وطلب منها كوب الشاي بدون سكر وحدثها أن سيسافر للبحث عن عمل لبناء حياته وانه سيبني لها بيتا بدلا من هذا الكشك الخشبي وانه سيحميها من برد الشتاء ومواجع الزمن امتلكها فرح وخوف ،فرح لتحقق أحلامها مثل باقي البنات وخوف كلما تذك ت كلمات العجوز بان من يركب القطار لا يعود ، صفر ناظر المحطة معلنا وصول القطار السريع ،ودعها وركب القطار الذي انطلق به مسرعا وهي تسمرت قدميها علي الرصيف حتي غاب عن عينيها ومازالت تسمع ضجيج القطار وهو يفر هاربا بكل أحلامها ولم تسمع صوت رواد المحطة الذين يطلبون منها الشاي ومرت سنوات عديدة وعينيها متعلقتان بكل الركاب العائدين من الشمال والجنوب تسأل كل العيون التي أرهقها السفر والغياب لعلها تعثر عليه؟؟؟

علي شاطئ البحر 

تقف النوارس 

في انتظار الحلم القادم 

الوقت يطول عليها 

والاشتياق نوعا من الجنون 

هنا المرافئ تحتسي البرد 

وتطلق الزفير 

في فضاء الزمن المكبوت 

تبكي النوارس 

تبتسم النوارس 

تستسلم لأمواج الحنين 

والانتظار

********

كاتب مصري 




الوسوم:

إعلان في أسفل التدوينة

إتصل بنا

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

أيامنا: هي مجلة ثقافية واجتماعية وشاملة تصدر عن مؤسسة شمس العرب الصحفية, كما أن المجلة تضم عددها الورقي

برمجة وتصميم © شركة أوزيان2022

برمجة المهندس © مصطفى النمر2022