شاي بالنعناع
قصة قصيرة بقلم /السيدالزرقاني
بعد الفجر يمتطي حمارة المسن، بحركات بطيئة يقطع الطريق مابين منزله والحقل الذي يقع علي اطراف الزمام البعيد للقرية، يستنشق الهواء الرطب، رحلة يومية يفطعها، لايمنعه عنها الا اذا اشتد به المرض، يحارب الوقت والزمن، هيئته بسيطة ملابسه هي ذات الملابس نفسها التي اعتدت ان اراه بها منذ سنوات، وحده يتمسك بالارض يدافع عنها، بح صوته علي اولادة ان يمتهنوا الفلاحة للبقاء علي الارض، الا انهم ابو، تمسكوا بالسفر الي بلاد الخليح، يعودوا ملابسهم البيضاء المزهرة، تلمع سنويا حين ذهابهم الي الحقل في انتظاره ان يفرش لهم الحصيرة وياتي بالمخدة التي صنعها من قش الارز، وحده يري الماشية تتالم حين مرضه من شدة الجوع والعطش، يسحف علي ركبتيه ليرمي لهم الطعام او ياتي اليهم بالماء في جردل صغير يستطيع حمله، حين اقتربت اليه من الخلف وكنت... اركب دراجتي القديمة التي تحدث صوتا مميزا اعتاد عليه كل من يراني عليها، رحلتي اليومية الي الحقل اقطع الطيق مسبحا ومكبرا وحامدا لله، استمتع بهذا الهواء النقي، حين يستقر بي المقام في بلدتي التي تقبع في وسط الدلتا، القيت عليه الصباح الذي اعتاده مني اوقف حماره ونزل اخذني في حضنه مقبلا خدي، قبلته علي حبينة، وانهال عليا بوابل لاينقطع من الأدعية التي افتقدتها منذ رحيل أمي وابي، وكان حريص ان يذكر اسم
إمي في كل دعاء، احببته كثيرا، دائما احس الصدق والنقاء في كل حرف ينطق به، كان دائما يودعني بتلك الأدعية التي تبعث في الامل، في وقت المت بي المشاكل من كل جانب، اهرب اليه، في حقله واجلس معه،..تحت شجرة التوم التي يستريح اسفلها كل عابر، افضفض بما في نفسي ويضيق به صدري، يستمع وبفطرته ينصح اشرب معه الشاي بالنعناع بعدما يحيل حياتي من خرم ابرة شديد الضيق إلي فضاء شديد الرحابة.
#السيدالزرقاني