د.فرج أحمد فرح يكتب: انثربولوجيا اغاني المهرجانات والراب!
بقلم /فرج احمد فرج
هل نعتبر اغاني المهرجانات ظاهرة ثقافية – او نسميها اغاني ثقافة الفقراء_ ام موروث حضاري ثقافي توارثه المصريون عبر الحقب .
عرف البشر الموسيقى منذ وجودهم على الأرض عن طريق الأصوات الطبيعية كضرب الحجارة ببعضها البعض مثلًا، ثم تطورت لاحقًا مع كثرة الاكتشافات التي طورها الإنسان وصولًا إلى الأدوات الموسيقية الخاصة لعزف الموسيقى .
تعود جذور الموسيقى في أوروبا للعام 500 ميلادي حيث بدأت في تراتيل الكنائس ثم تطورت إلى ما عرف بالموسيقى عصر الريناسنس منذ مطلع القرنين الرابع عشر والخامس عشر والتي عرفت بمرحلة الفن الحديث حيث وصلت العلامات الموسيقية إلى درجة كبيرة من التقدم كما وصلت الموسيقى ذات الأنغام المتعددة إلى درجة كبيرة من التعقيد لم يسبق لها.
ما هي اول اغنية في العالم؟
الأغاني الحوارية (أقدم أغنية في التاريخ)هي مجموعةٌ موسيقيةٌ تعود لأكثر من 3,500 عام نُقشت بالكتابة المسمارية على ألواحٍ طينيةٍ أثرية يعود عمرها إلى أكثر من 1,400 عام عُثر عليها في أوغاريت (رأس شمرا) العمورية الكنعانية في مدينة اللاذقية شماليّ سُوريا.
الأغاني الشعبية ، على عكس الأغاني الغنائية أو الشعبية ، لها بنية موسيقية بسيطة يمكن أن تختلف وتكون أكثر تعقيدًا ، ولكن ليس أكثر من ذلك بكثير.
من بين الأنواع الموسيقية للأغاني الشعبية يمكن تسميتها: البوب ، والروك ، والروك أند رول ، والسالسا ، والميرينجو ، والقصص ، والراب ، والريغي ، والبلوز ، والجاز ، والريغيتون ، والكومبيا ، والهيفي ميتال ، وغيرها.
وهل تعتبر هذه الانواع التي انتشرت من الكلمات المقتعة والمدغمة والملمومة والملتصقة ببعضها وتؤدي بسرعة كبيرة لاتدع لك فرصة لفهم او تحديد الكلمة .. الا بعد ان تكتب .. فتجد نفسك امام موضوعات ليس بها صلة ببعض غير ان ترم الموسيقي والحركات التي يؤودوها باجسادهم وايديهم والجري علي المسرح بملابسهم الغريبه من الموديلات والهلاهيل التي يلبسونها والشرائط المتدلية علي اكتفاهم وامساكهم والجري بالميكرفون والاشارات البذيئة بايديهم .. تلهب حماس المشاهديدين المخدرين والغائبين عن الوعي وكانهم في سكرتهم يعمهون .
هل هي نوع من الفلكلور او اغاني الافراح او من التراث -او افراز احوال المجتمع سواء اجتماعية او سياسية او دينية او لعوامل خارجية.
الانثربولوجيا الثقافية بوجه عام تدرس الانسان من حيث هو عضو في مجتمع له ثقافة معينة . وعلي هذا الانسان ان يمارس سلوكا يتوافق مع سلوك الافراد في المجتمع (الجماعة ) المحيط به ويتحلي بقيمه وعاداته ويدين بنظامه العام ويتحدث بلغة قومه الشائعة والعامة .
ان تحديد الكيفية التي يحول بها انتاج فكري , كالقاص او المسرح او الاغاني او السينما مثلا ،معطيات الواقع الحال، لا يكفي بل لابد من ابراز الوظيفة -الوظيفة الاجتماعية السياسية لهذا الانتاج الفني ولاسيما ان المنتجين ينتمون الي فئات من المثقفين يؤدون ادوارا قد يعاونها او لا يعاونها لصالح اصناف او طبقات اجتماعية معينة.
وهذه الوظيفة ليست مظهرا ثانويا او تكميليا بل هي بعد من ابعاد العلاقة بين الثقافة والمجتمع , ولا يمكن تفسيراي حدث فكري من دونها وهي في الوقت ذاته توجد حلا لما يسمي " استقلالية" القيم الفكرية والجمالية ، وذلك من خلال اكتشاف وظيفة استمرارية هذه القيم او بعثها في ظروف تاريخيه محددة .
ان دراسة الوسط الثقافي تكشف عن الالية السيكولوجية التي توجه سلوك الفرد وتصرف النزعة العدوانية في مجالات تنفيس مهذب ، والمثال علي ذلك في بعض النظم الاجتماعية لا يسمح فقط بل يجب ان يسمع اصحاب السلطة السخرية واللوم واللعنات من رعايهم بسبب المظالم التي ارتكبوها . ومن هذا المنطلق تهتم الانثربولوجيا الثقافية بالتراث والحياة داخل نطاق المجتمع ويمكن بواستطتها الخوض في جوهر الثقافات المختلفة ومعرفة كيف تحيا الامم . من خلال الاجابة عن التساؤولات التالية :
هل نعتبر اغاني المهرجانات ظاهرة ثقافية – او نسميها اغاني ثقافة الفقراء .
ان وسائل الاتصالات الحديثة هي التي اعطت هذه الظاهرة كل هذا الزخم من الشهرة وما يسمي الترند والحداثة والغرابة والصخب، تلك المقومات تمنحها قدرة أكبر على تحقيق انتشار أوسع خلال زمن أقل، نظراً لأنها تكون الأكثر ملائمة لتجمعات الشباب مثل الحفلات الصيفية وحفلات الأفراح والمناسبات الخاصة وغير ذلك، هذا أحد أسباب انتشارها في أوساط وبين فئات كانت تبدي ازدرائها في وقت سابق، هذا قد يُفسر إدراجها ضمن قوائم الأكثر استماعاً لكنها قد لا توجد بالضرورة -أو بنفس الكثافة- في قوائم التفضيلات الشخصية. تحقق أغاني المهرجانات نسب استماع مهولة وهذا واقع لا يمكن إنكاره.
أغاني المهرجانات... مرآة صادمة يرفض المجتمع المصري النظر فيها
انتشرت بإيقاعها الصاخب المصاحب للرقص الشعبي... ومنتقدوها يعدونها كارثة وتدميرا للذوق العام
فهل أغنيات المهرجانات والراب الشعبي والهيب هوب المصري لها غاية وتحمل هدفاً بحجة قوية وبرهان أشد.
في التعبير عن حالات الفقر في كل شيء – ام تظاهرة غير مفهومة المعاني والكلمات كما في الراب والهيب هزب وبعض اغاني المهرجانات التي عبرت عن حال الشباب في لحظة متعة مع الحبيب ان يشرب كاس وجوب حشيش او بانجو للفقير .
كلام غامض ولا يعاقب عليه بالقانون – فالمؤدي يقول والاف امامة يرددون هذا الكلام بالالاف وانظر حفلات " ويجز" - ما الفرق بين هتيف النادي الاهلي امام الجمهور وهم يتنططون ويرفعون ايديهم ويرعشونها في ملاعب الكرة التي حرموا منها بدواعي امنية – ونفس الشيئ يفعل في المهرجانات وبدلا من هتيفت النوادي – اصبحوا مؤدين لا صوت ولا طرب ولكن الايقاع الرتيب والراقص – يفعل نفس الشيئ – فهي هتافات سلمية .
والدليل اننا لم نري الشرطي او حماة القيم والاخلاق اخذت موقفا في ان تحجر علي هذه الافعال .وكلما اخذت ضدهم بعض التدابير للفرملة – نجد جهات خارجية تحميهم وتقدرهم وتجذل لهم العطاء بالذهب والاموال والتقدير المعنوي وفرص الاستمرار وانظر هذه الجهات من اختارت " الجهلة والفقراء " وجعلت منهم اغنياء في يوم وليلة واعطت لهم السيارات الفارهة واشترت لهم القصور – حتي افقدتهم صوابهم الي حد السفه كما فعل بعضهم في ان يلقي الاموال في الماء وعلي الارض وفي لقطة مضحكة ان يلقي علي من اعطوا له الاموال في زكيبه عليهم في حفل علي ارضهم متناسيا انهم من اعطوا له تلك الاموال " فنحن امام "مقولة اعطي السفهاء الاغبياء "– التي لم يستوعب اي جهد بذله في اقتنائها ولم يعرف كيف يتصرف فيها غير ان يعوض كل ما كان محروم منه وسنين الفقر والبؤس التي كان يعيشها بهذه التصرفات الرعناء.
وامراء واميرات الخليج الذين يهدون مطربي المهرجانات السيارات الفارهة واحدهم قبل سيارة مطلية بالذهب وفي احتفالية خليجية اهدي سيف مطلي بالذهب " السؤال لماذا؟"جعلنا ننظر من الاخر فوجدنا الرعاة الاصليين لهؤلاء هم اعداء مصر الحقيقين والذين اعلنوا الدفاع عنهم حينما ظبططهم الكاميرا وهم في احضانهم .
وعلي كل من يوجه النقد اللاذع لمنظومة "المهرجانات" أن يدقق فيما وراءها وينظر إلى ما تمثله. المهرجانات "مرآة لقطاع عريض في المجتمع ترفض القطاعات الأخرى أن تراه". بل فاتهم أن يلتفتوا إلى أن الأفراح التي يحضرونها وأعياد الميلاد التي يقيمونها باتت قائمة على تلك الأغنيات. "خطر جديد يهدد الذوق العام"، و"سلام على الطرب الأصيل والفن الجميل" و"مؤدو المهرجانات خطر على الأمن القومي والذوق العام".
وفي"زمن المسخ وأغاني المهرجانات". قوالب ثابتة وعناوين جامدة ومحتويات سابقة التعليب تطالع الجميع عبر الصحف والمجلات والمواقع الخبرية والبرامج التلفزيونية. النظرة الفوقية ماهيتها، والتعامل الطبقي قوامها، والازدواج في المعايير سمتها.
كلمة مهرجان في هذا السياق تعود إلى نوعية هذه الأغاني المعتمدة على الإيقاع السريع والرقص الشعبي في المناطق الشعبية والفقيرة. وفي غفلة من الزمن وجيوش المحللين وكتائب الخبراء، انتشرت المهرجانات في أواصل المجتمع المصري انتشار النار في الهشيم.
مكونات الهشيم كثيرة وسريعة الاشتعال. كبت وقهر وحرمان وفقر وزحام وتدني تعليم وانهيار ثقافي وتطرف ديني وتقلص فرص مع تمكين مفاجئ شبه كامل من تقنيات تتيح التعبير. كلمات أولى أغنيات المهرجانات "مهرجان السلام" تحمل تهديداً ووعيداً لفئة "المرشدين" التي كانت منتشرة في أغلب المناطق الشعبية والعشوائية، وهي "مهنة" مموهة يشتغل بها البعض حيث يقوم بمهمة الإبلاغ عن تجار ومدمني المخدرات والنصابين والضالعين في أعمال منافية للقانون من جيرانهم وأصدقائهم في المنطقة التي يعيشون فيها
نادراً ما تنتشر أغنية مهرجانات تتناول سهر الحبيب وبكاءه على باب حبيبته، أو تغني شخص بحب تراب الوطن، أو ما شابه. الموجود هو إخبار الحبيبة بأن قرار الهجر يعني إنها الخاسرة وأن الحبيب سيجد من هي أفضل منها مئة مرة. ورغم أن حب الوطن موجود في المهرجانات، إلا أنه ليس حباً في المطلق، لكنه لوم للوطن على قسوة المعاملة وقلة الفرص وضيق ذات اليد يتخصص فيها اغاني الراب والهيب هوب .
أبناء المناطق العشوائية والنازحون من الريف إلى المدينة بحثاً عن لقمة عيش والأسر الفقيرة الكبيرة العدد خرجوا إلى الدنيا في ظروف بالغة القسوة: يسكنون أحياء وبيوتاً مكتظة تفتقد بديهيات الحياة الكريمة، تلقوا تعليماً رديئاً أو لم يكملوا تعليمهم من الأصل، تم الدفع بهم إلى سوق الأعمال الهامشية والدونية في سن الطفولة، يتعامل معهم بقية المجتمع باعتبارهم شوكة في الحلق وصداعاً في الرأس. كل ما سبق يؤدي إما إلى التطرف سواء الديني أو الانغماس في عوالم الإدمان والجريمة، أو تتشكل شخصيات عدوانية تستمتع بالتسبب في مضايقة المتململين منهم بالإمعان في تصرفات سوقية وعشوائية وفوضوية والمجاهرة بها للإعلان عن عدم الاكتراث وكأنه وسيلة دفاعية.
ونحن هنا نقول من خلال الدراسة – انها ليست افراز ثقافة الفقر فقط – ونقولاذا لماذاوجدت صدي كبير بين وسط الطبقات الوسطي والاثرياء ووجدنا ذلك في حفلاتهم في جامعات ابناء الاثرياء الخاصة والتي يدفع فيها الملايين وفي حفلات الاغنياء وشباب طبقة الايليت والصفوة في الساحل وغيرها . وهذا ما دفعنا الي النظر والتدقيق بعمق انها ليست مقتصرة علي فئة واحدة ووجدنا من يسمع ام كلثوم وعبد الحليم يسمعون اغاني المهرجانات والراب – وكاننا كنا في غفلة من الزمان وكأن هذه الظاهرة سقطت علينا من السماء كماء المطر – لا يا سادة " الظاهرة " هي نتاج القلق والتحول والفشل والاضطراب الذي عاشه هؤلاء الشباب منذ وقوفهم في الوقفات الصامتة قبل 25 يناير والثوران باعلي صوت طالبين التغير ظنا منهم انه سيكون للافضل والاحسن ولكن ما سرعان ما تحول الي كابوس بسيطرة ثلة ذات افكار عقيدية – ففشلت – وتتابعت الثورة بقوي سلطويه واستمرت فوجدت هذه الفئة العمرية ان ما جاهدوا من اجله من قبل 25 يناير وما بعده – اصبح سرابا – فنحن يا سادة في هذا التوقيت امام لحظات فارقة اما ان نصحح مساراتنا واما سنواجه الفوضي الخلاقة التي بشرت بها امريكا من قبل .
والحديث والبحث ممتد
فرج احمد فرج
باحث انثربولوجيا
نسخة مختصره