جاري تحميل ... مجلة أيامنا

إعلان الرئيسية

كتاب أيامنا

عددنا الورقي

ترجم إلى

زيارات الموقع هذا الشهر

إعلان في أعلي التدوينة

القاصة "فاطمة مندي" تكتب: أين كرامتي؟؟





بقلم /فاطمة مندي 

اكتظَّ دفترِي  بالحكاياتِ وامتلأتْ السطورُ عن آخرها،  جفت أقلامي كلها، لم يتبقَ سوى بضع قطراتٍ من حبرٍ في دواتي، و بضعةُ أسطرٍ في نهايةِ الدفتر.

  لقد امتلأ بصفعاتٍ متتاليةٍ على وجهي من الزمن،  وآخر ما يتسنى لي أن أسَطِّرَهُ فيما تبقى قد دوَّنَ الزمنُ فيه النهاية المحتومة معي، عندما لطمني ضابطُ الشرطة لطمةً أسالتِ الدماءَ من فمي، وهو يسحبُني الي عربةِ الترحيلات. 


في طفولتي كنتُ أعدُو وألهُو مع صديقتي،  نَجُوبُ كلَّ الشوارع والأزقةِ، بحثًا عن كلِّ ما هو غالٍ وثمينٍ، هكذا تعلمنا الدرسَ من ذوينا، لم نكترثْ لأي شيءٍ، كل شيء أمامنا مباحٌ كلُّ شيء، لا نعرف مبادئًا أو نتعلم قِيَمًا ولا حتى تفصيلية واحدةٍ من تفاصيل الدين، تدلنا على حلال أو حرام، 

كنا فقط كقطتين بريتين هائمتين على وجهينا نجابهُ الحياة. 

ذات يومٍ شاهدنا سَيَّارةً بها بعضُ أكياسِ الطعامِ مفتوحٌ زجاجُ أبوابِها، فأشرتُ علي صديقتي أن اراقبَ لها الطريقَ وهي تسطُو علي الأكياس. 

 اقتربتْ من السيَّارة بحيطةٍ وحذر،  مدَّت يدَها لتلتقطَ الأكياس، لكن ثمَّ يدٌ أمسكتْ بها، لقد وجَدتْ صاحبةَ السيَّارة أمامها، لكنها فوجئت بها تربّتُُ على كتفها وتقول:

خذي ما تشائين من الطعام يابنتي، لا تخافي، وأعطتها أكياس الطعام وقالت لها: تعوَّدي أن تأخذي أي شيءٍ بعزةِ نفْس .


 لم تستوعبْ طفولتُنا حينها هذه الكلماتِ، كانت بعيدةً عن دنيانا ومفاهيمنا التي نشأنا  عليها  في أُسَرٍ ليست بأسَر، أُسَرٌ لم تعلمنا سوي الخطف والسرقة و الشحاتة، وأن كل ما تطاله أيدينا فهو ملكٌ لنا.

كانت النساءُ تخرجنَ للتسول والنَّصب، والرجالُ منهم من يتسولُ ومنهم من يسرقُ، وآخَرون يُجيدون النصب على الناس. وربما البعضُ يستولى علي كل ما يقع تحت أيدي غيره منهم.

كانوا يتزوجون بلا منازلَ بلا مهورٍ بلا أيِّ شيء؛ إنها بيئةُ التسول.

ذات مساء كنا نجلس _بعد ساعاتٍ كثيرة مجهدينَ  من " اللف والدوران" في الشوارع_ أمام التلفاز، رأينا صاحبة السيارة تتحدث أمام جموعٍ غَفيرةٍ من الناس، منمقةَ الثيابِ والحديثِ.

جلسنا في صمتٍ مشدوهتانِ علَّنا نستوعبُ الكلامَ الذي كان ضربًا من الخيال؛ حيث كان عكسَ كل ما نشأنا وتربينا عليه.

نظرتْ صديقتي إليَّ في دهشة وقالت:

 أريدُ أن أكونَ مثلَ هذه السيدة، أريد أن أكونَ في مكانتها.

نظرتُ إليها شذرٱ وقلت لها: مستحيل أين نحن من ذلك ؟! لابد أن تمرِّي بمراحل التعليم المختلفة لكي تصلي الي هناك، فمن أين لك بالأموال، ومن سيسمحُ لكِ، إنهم ينتظرون عودتك كل يومٍ بالغنيمة.

صممتْ علي خوض التجربةِ ونصحتني بمصاحبتها؛ ولكن لم يكن عندي طموحُها ولا صبرُها، فتركتها في أول الطريق ومضيتُ في طريقي الذي لم أتعلم سواه.

ويالَحَظِّيَ العاثر ، لقد فقد الطيرُ مهارتَه في التحليقِ والتخفِّي، لقد ضعفت بدونها، صرتُ مهيضة الجناح.

 صرتُ شابةً حِيكَتْ لها العديدُ من الأقنعة، أبدِّلها مع كل حالةٍ اتقمصُها، دارت بيَ الأيامُ والسنون، ووصلتُ معها إلي حافة ذروتها. 


 حفظتُ كلَّ طرقِ المدينةِ الكبيرة، كنت أنتقلُ من مكانٍ الي مكانٍ دون هوادة، رشيقة أنا الي هذه الدرجة، الأمر الذي جعلني أحلق في الطرقات وكأنني طائر، أفرغتُ كل ما قي جعبتى من حيل للتحايلِ والنصب، والتخفي عن أعينٍ تترصدني.


وقفت مع نفسي برهة أتساءل :

أين المفر في آخر المشوار ؟!  كنت أجيد التخفي، والآن قد انكشفت جميع حيَلي وأقنعتي، وأفرغتُ ما في جعبتي.

شاهدوني بل وتتبعوا أثري، كنت أركضُ  كالنمور، بين الشوارع والأذقة، وهم يركضون خلفي، استوقفني ذلك المشهد في التلفاز في أحد المحلات ممسكاً بجرأتي،

تسمرت في مكاني! صديقتي تقف في شموخ الأميرات، تدلي بدلوها العلمي، يصفق لها الحضور كما أرادت، تتسلم الجائزة، التي كم حلمت معي أن تصل الي مرتبة تستحق عليها جائزة.

صعدتُ تقلني عربةُ الترحيلات، وأنا مبتسمةً غارقة بعقلي ودموعي في عالم  آخر مع صديقتي.

فاطمة مندي

إعلان في أسفل التدوينة

إتصل بنا

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

أيامنا: هي مجلة ثقافية واجتماعية وشاملة تصدر عن مؤسسة شمس العرب الصحفية, كما أن المجلة تضم عددها الورقي

برمجة وتصميم © شركة أوزيان2022

برمجة المهندس © مصطفى النمر2022