الكاتب الجزائري أمين عياش يكتب: الرجوع الاخير
الرجوع الاخير
بقلم/أمين عياش
فوضى أصوات عارمة لم تكن تؤثر في ذلك الضجيج الذي كان في داخلي ..جملة من الاسئلة والاجوبة والقصص واللقاءات والوداعات ..إنها فوضى لا يمكن أن يراها أو يشعر بها حتى من يقاسمني ذلك الكرسي البالي في تلك الحافلة البالية ورائحة كيس البصل الذي يشد طرفه بيديه ويضمه بين رجليه كي لا يأخذ مكانا يحاسب عليه القابض فيما بعد..لا أعرف أن كانت الطريق هذه المرة قصيرة فعلا أم لأنه الرجوع الاخير ..كنت أريده طويلا لا حد له أو ربما هو الخوف من لقاء ابني الذي ينتظرني كل مساء وهو يتحسس خربشة الباب وعربدة مفاتيحي وانا ادخل البيت ..بقدر الشوق والحب الذي كنت أحمله له إلا أني اخاف من تلك الارتمائة أن تكشف فاصل الاسرار الذي لم يكن يعلمه أحد من اسرتي ..أذكر أنه لم يكن ينام عندي لانه توقف عن شرب حليب أمه التي كان يحتاجها حينما يفيق ليستأنس بصدرها وان الليلة السابقة نام بجانبي وديعا هادئا كأنه ملاك وهو يتوسد ذراعي ويضع يده اليسرى فوق صدري ربما شعر بأن الايام سترمي بي بعيدا عن ذلك الاحساس الجميل المتبادل ..كانت رائحته في تلك الليلة كرائحة الجنة التي لم تكن نصيبا لأحد من البشر قبلي وهو يغمز بعينيه ويريدني أن أفعل متله ليشعر باندماجي معه..كان ينام في تلك اللحظات ويفيق بين الفينة والأخرى لينظر الي ويطلق ابتسامة ساحرة ضاغطا على صدري بيده الصغيرة ويستسلم مرة أخرى للنوم في صورة بديعة وانا أزداد وجعا وألما لأني أشعر أنها إشارات الرجوع الاخير