دراسة تحليلية لديوان عبد مقيد للشاعرة حنان عليوة بقلم الكاتب إسلام يوسف
بقلم : إسلام يوسف
إن ديوان عبد مقيد للشاعرة حنان عليوة الذى دون باللهجة العامية أبدعت فيه الشاعرة من حيث اللغة المبسطة التى طغت على معانى وقصائد الديوان ويعكس مدى تطبيق تلك الصفات التى ذكرت فى القصائد ، وأفضل أنواع الابداع الشعرى هو الذى يقول فيه الشاعر عند وجود حالة فى داخل الشاعر سواء فرح أو حزن أو كآبة أو موقف حياتى يستدعى الابداع والنظم فيه ، واللهجة العامية مع أنها عامية إلا أنها بهل ثلثى اللهجة الفصحى هذا ما أثبته علماء اللغة لأن الكلام يحدث بها حذف وقلب وتبديل من حرف لأخر ولكن نفس المعنى كالثاء تحول إلى تاء مثل ثعلب فى الفصحى تقلب فى العامية تعلب ، الميم تقلب نون كمدينة انبابة فى نطقنا امبابة ، وقس على ذلك كثير من الألفاظ التى نستعملها ، ودا أصلها هذا وقلبت الذال دال وكدا أصلها كذا ، وحرف الهاء أصل فى كلمة وقد يكون تاء ولكن تسكن تكتب تاء وعند النطق هاء حديقة تاء وعند الوقف حديقه نطقت هاء ، وتلك التعليقات اللغوية أردت أن أذكرها هنا فى مقدمة هذا الديوان كدليل اللهجة العامية فى الكتابة أنها تصل للعامة المراد وصول الابداع والثقافة إليهم وليس كما يفعل بعض كبار المثقفين والكتاب بالكتابة الفصحى المكلفة ليكون ذا هيبة بين المثقفين ولكن رسالة ابداعه لم تصل للعامة لوجود حاجر وهو تفسير الألفاظ المتعثر فهمها من العامى وهذه مشكلة معضلة فى أزمتنا الثقافية فى المجتمع العربى والمصرى .
هنا فى هذا الديوان الحالة والغرض السائد على القصائد هو الحزن فى أكثر قصائد الديوان يدل على الحالة التى عليها صاحب الديوان إن كان صدقا أو ابداع تصنع حالة الحزن ولكن أبدعت الوصف والتحليل لمكنونات المجتمع وما به من أفعال وحقائق مرة وصعبة تقبلها ولكنها الحقيقة التى نعيش فيها فى حياتنا اليومية ، فجل القصائد تسيطر عليها حالة الحزن وإن خلت فتتواجد بشطر أو اثنين مبينة معنى تلك الحالة المسيطرة على المبدعة .
ومن بين قصائد الديوان استوقفنى ثلاث قصائد سأقوم بتحليلها تعكس القضايا التى يعانى منها المجتمع والتى تعد عنصرا من حياتنا اليومية فى هذا العصر :
أولا قصيدة معرفش :
أول شطر " روحى بعتذر عنها " أى نفسى التى هى أغلى حاجة عندى مش عاوزاها من القضايا الحياتية التى منرت بها ووصلت لحالة من الخلاص واليأس والتسليم للموت ، " نفسى تجينى وأحضنها "وهنا أمنية أن تأتى الروح وتتمثل فى صورة بشر له جسد ولحم ودم حتى أحضنها لأنى لم أجدها فى جسدى ، " وأحكى لها عن وجعى " أى افضفض لنفسى وروحى التى أصبحت واقفة أمامى وأقول لها ما الذى يوجعنى ولب الحالة الحزينة التى عليها لغة القصيدة ، " فى غيابها وآلامى وأحزانى "قمة الحزن والألم التى تريد أن توصلها صاحبة الروح المتهالكة من الألم والحزن فى عملية افضاء الداخل ، " وأعاتبها على بعدى وألومها " وهنا عتاب ولوم على النفس التى ابتعدن عنى يوم كنت عاوزها تكون معايا فى مواجهة الداخل لكن تركتنى وذهبت والآن أتصور أنها أمامى .
" وشوق القلب لأحبابها " ويشتاق قلبى لأحبابى ولكن بما فعلوه بى يكفى يهد الجبال وهذا واقع المجتمع فى هذا العصر إلا ما رحم ربى من حقد وغل وعدم محبة كله يريد نفسه نفسه إلا من داوم على المعروف والود للأصدقاء والأحباب وهم قلة ، تكملة للشطر السابق فى المعاملات البشر الصحاب والأحباب مع بعضهم وقد تكرونى منكسر القلب بدون سؤال ولا جواب منهم عنى ، " رفعت كأس من الأحزان " هنا استعارة مكنية تدل على أن الأحزان ترفع كأنها مياة فى الأكواب وهذه نفس كبلت بالحزن فى حياتها كلها حتى أصبح الحزن مثل الماء لا نستطيع الاستغناء عنه حتى نعيش .
وشربت وحدى مهو باقى " وتجرعت الحزن كله ولم يبقى منه شء فى الكوب ، " مسير الدنيا تتغير وأكون " هنا أمنية الاصلاح بالتغيير مع الألم والحزن يوجد شعاع نور يقول بأن الفرح قادم يوم ما ، " للحب متحير وأختار من الصبايا " أى مع احلامى أن التغير قادم بالفرح متحير وشاكك إنه ممكن يجى فى الدنيا ولو لم يأتى فإن سياتى فى الأخرة وتكون فرحتى بأن أنال الصبايا الحور الجمال " ، " الحور والجنة تبقى محلاها " قمة السعادة التى وصل لها المبدع بعد حالة اليأس فى الدنيا فإنه يلقى السعادة فى الآخرة عند دخوله الجنة فيها من صفاء النفس والذهن والجوارح ما لا يمغص الجوارح مثل الذى حدث فى الدنيا وهذا ما يفسره الشطر التالى والذى يليه " وعشت الدنيا هنساها وأعيش ، مبسوط بأحلامى ولومرة " رغم ما به من حزن وكآبة وحالة اليأس سرح فى الفرحة فى الجنة ونسى الدنيا التى يعيش فيها لكى افرج عن نفسى ولو مرة حتى لو كانت فى الخيال ولكن أتذوق حالة السعادة ، وهنا الإيمان يغير المرؤ ويجعله صابرا حتى ولو اقتحمت الهموم عليه لابد أن يأتى الفرج عن قريب وإن لم يأتى فإنه محنة واختبار من الخالق لنا هل سنصبر أم نجزع .
القصيدة الثانية وهى عنوان الديوان عبد مقيد : ستنطلق بفكر القارىء بحيث توحى بأكثر من معنى مفتوحة الرؤية هل القيد نفسى بين الإنسان وإنسان آخر؟ هل هى سلطة النقد التى تحول الإبداع ؟ هل هى سلطة الدولة فى قيد المواطنين بالقبضة الحديدية ؟ كل هذه أسئلة ستدور لعقل القارىء لعل الأصوب الذى هى لب القضية أن القيد هو قيد عاطفى بين الحبيب ومحبوبته من الجراح والهموم التى جعلتها الحبيبة ذكرى وعزلت حبه من قلبها وجمعت دفاتر الحب كأنه شىء ملموس وأحرقت الدفاتر لينتهى المكتوب بداخل الدفاتر وإليكم تحليل مضمون القصيدة :
جاي تعلي صوت ضحكتك هنا شماتة الحبيب فى محبوبته أنه جاء إليها يعلى صوته بضجر إليها ويضحك أمامها لما تسبب لها من آلام ، مرتاح يعني ودي رغبتك ،تلومه هنا وتوبخه على أن هذا هل كانت رغبتك فى الشماتة والضحك ، فرحان إنك تعرف تجرح هل حققت عرضك فى الفرحة عندما قمت بجرحى ،شايف روحك عندك حق وهل الذى فعلته تنظر إليه على أنه عين الصواب ، جرح الناس عندك شىء عادي وأصبح جرح الناس عندك شىء عادى اعتدت عليه وأصبح بالنسبة لك شىء متكرر فى حياتك ، لميت أوراقي ومستنداتي بعد ما لقيت هذه الجراح منك جمعت كل نفسى وكيانى وما يتعلق بك ورميتها فى المهملات لأتخلص منك كأنك شىء من متعلقات المنزل الذى تم الاستغناء عنه لانتهاء عمره الافتراضى وأصبح متهالك وجب رميه خارج المنزل هرسم لك أحزاني في لوحة بعد ما تخرج من حياتى هرسم كل ما ذقته لى من حزن وأسى وتعب على لوحة كأنى ابدع فى مكنون نفسى وأعبر عنها كفنان يرسم ابداعه على لوحة هو يبدع فكر وجمال وأنا ابدع مكنون نفس وأحزان ، تلك اللوحة التى ترسم باللون الأسود وهو لون الفجع والأسى والحزن عند إصابة الإنسان بالهموم والمواقف الحياتية ، تفضل هامش مش مفهوم وبعد ذلك ستصبح جزء من نهاية الدفتر ليس مفهوم معناه ولماذا يتواجد هنا وليس فى بداية الدفتر وستكون فصل محير الملامح فى هذا العالم ، زي ما جعلتك سيدي في يوم مثل ماجعلتك فى يوم سيدا فى منزلك بالسعادة والود والعاطفة ، ألوم نفسى إنى جعلتك سيد لأن الفرصة التى منحتك إياها لم تدوم بل تكولت لأقسى وحزن بعدها .
القصيدة الثالثة وهى " مين بينادى أمى " تدور أحداثها فى حوار بين بنت ونفسها تستشعر نداء الأم على ما يدور فى النفس لأن الأم قد ماتت ولكن ذكريات الحب والحنان والرجوع للماضى قد استجاشت على نفس الابنة فأحست أن أمها ستنادى عليها مثلما كانت تناديها فى الدنيا ، اتفضلى دا انا كنت مستنية ندهة منك ، اى اتفضلى يا أمى دا انا كنت مستنى تنادى عليا بصوتك ولو نداء واحد ، وعندما اسمه سأجرى عليكى وأبوس واقبل يديك وأضعت فى حضنى وأضم عضمى لمكانتك وغلوتك عندى وتتفجع الابنة آااه ياأمة تندهى عليا مثلما كنتى تنادينى زمان ، نادينى عليا هتلاقينى امام عينك ماتعرفى بكيت عليكى لما سبتينى وهل حاسة إنى قلبى حزن عندما فارقتينى ، ناديى عليا حتى لو سمعت صوتك مش هعرفه وهنا نقطة فصل كانت تقول اندهى عليا ساكون بين إيديكى وهنا لو سمعت صوتك مش هعرفك دليل على بعد فترة الموت والفراق وتناسى صوت النداء من الأذن حتى لو كنتى متعطرة وفاق المسك الريحة الطيبة التى تنتشر فى المكان الذى ستكونى فيه ولو أصبحتى مصباح منير يمر عليا لو حنيتك قرب منى كل هذا لن اعرفك بين الخلق بس نادى علي قولى ياحنة وهو اسم الشاعرة وهذا مخزى قضايا الشاعرة التى تمثل الحالة الابداعية على نفسها ، قولى نونة وهى اسماء دلع البنات اما نانسى أو ندى وحتى اسم الحنان هو اسمى وكل هذه الاحاسيس وخيب الظن من الابنة بصعوبة تحقق النداء من الأم التى فارقت الحياة تختتم بقولها وانتظارى لكى خايب أى فاشل أصلى متاكدة من أنك لن ترجعى أبدا لأن الأموات لن يرجعوا للحياة ولكنى أتمنى ان تنادى عليا ولو نداء واحد أسمع فيه صوتك ولو مرة واحدة لكن هيهات هيهات من هذا لأنك فى عالم ونحن فى عالم آخر .
