د. ايمان عمر تكتب: هي والمستحيل
بفلم/د. ايمان عمر
بعضكم سيتذكر العمل الدرامي الشهير عندما تقع عينيه على عنوان المقال و البعض يظن أنه مجرد تشابه في الأسماء أو العناوين و أن هذا عنوان المقال ليس أكثر. و الحقيقة أن كلاهما صحيح اسم هذا العمل الدرامي الرائع هو عنوان مقالي اليوم.
عمل درامي عمره 43 عام و لكنه مازال حي بيننا، يذاع في الكثير من القنوات و أحياناً بشكل متكرر - بطلته "زينب" الفتاة الأمية البسيطة النقية بيننا في كل زمان و مكان و قصتها تتكرر كل يوم في مجتمعنا مع اختلاف بعض الأحداث.
كتبت قصة "هي و المستحيل" الكاتبة و الأديبة المتميزة فتحية العسال رحمها الله (20 فبراير 1933 - 15 يونيو 2014). يعتبر رصيد فتحية العسال من الأعمال الدرامية حوالي 57 مسلسلاً أشهرهم "هي و المستحيل"، "رمانة الميزان"، "حتى لا يختنق الحب"، "لحظة اختيار" - تأثرت بالكثير من الأحداث في نشأتها و ساهمت في تكوين شخصيتها مثل حرمانها من التعليم- بدأت الكتابة الأدبية عام 1957 و اهتمت بالقضايا الاجتماعية بشكل عام و قضايا المرأة بشكل خاص و قد تم اعتقالها ثلاث مرات بسبب كتاباتها عن قضية المرأة.
أما عن "هي و المستحيل" فقد أنتج عام 1979 – من أرقى و أجمل الأعمال الدرامية ذات الهدف و الرسالة الساميين – تدور أحداثه كما ذكرنا حول "زينب" الفتاة الأمية التي يتزوجها في غضون أسبوع "صلاح" الشاب القروي المتسلط الأناني الذي بهرته حياة المدينة لترعى أمه المريضة و تقوم على خدمته بينما يتفرغ هو للمذاكرة و الدراسة دون أي اعتبار لمشاعرها أو لوجودها. هذا النوع من الزواج يتكرر في مجتمعاتنا كل يوم – و تعيش "زينب" حياة جافة قاسية خالية من الحب، خالية من الرومانسية، خالية حتى من كلمة طيبة، يعايرها دائماً بجهلها و يرى جميع الفتيات أفضل منها – تنفصل عنه "زينب" و تنهض من حياتها الصعبة القاسية و تحاول اجتياز الظروف و تحقيق المستحيل – فهل تنجح؟
فكيف تستطيع المرأة بالأخص الساذجة البسيطة كـ "زينب" أن تتخلص من تسلط و أنانية و نرجسية الزوج – فهل يمكنها إصلاحه أم ليس أمامها حل إلا الطلاق وسيلة للهروب من تسلطه و نرجسيته و إثبات ذاتها – فقد عانت "زينب" كثيراً من إهانات "صلاح" نفسياً أو جسدياً، سواء أمام نفسها أو أمام الآخرين من أقارب أو زملاء أو أغراب و قد جسدت الدور مرهفة الحس الرقيقة البريئة صفاء أبو السعود و ساعدتها صفاتها تلك في إتقان الدور و تقمص الشخصية حتى إنها كانت تجعل عيونك تدمع من شدة تعاطفك معها عندما تشاهد إهانة صلاح لها و ردود أفعالها النقية البريئة و هو الآخر الأستاذ الفنان "محمود الحدينى" قد أتقن دوره للدرجة التي جعلت المشاهد منا يكرهه و يكره أفعاله كما لو كان هو في الحقيقة ذلك الزوج المتسلط الظالم.
و هذا للأسف حال الكثير من الزوجات منذ زمن بعيد و حتى زمننا هذا – فما الحل؟؟
هل نترك بناتنا دون تعليم أو توعية ليبيع و يشتري فيها مثل هذا النموذج النرجسي المتسلط – نتركهن في مهب الريح – لابد من تسليحهن بالعلم و النور و الأمل و التوعية و النصيحة – حتى تقف في وجه الظلم و الإهانات و تحقق ذاتها في مجتمع لا يرحم - فالعلم سلاح ترتقي به الأمم –
لم تستسلم "زينب" و تحدت الجميع و الظروف و نحتت في الصخر إلى أن حققت الصعب بل المستحيل – فقد عملت في أحد مصانع الغزل و النسيج و أكملت تعليمها إلى أن وصلت لأعلى المراحل وبذلت قصارى جهدها ليتلقى ابنها أفضل تعليم بمساعدة أحبائها و جيرانها المخلصين. فغدت "زينب" جديدة لا تُهزم، لا تُقهر، لا تخف من الغد.
عمل درامي رائع و أكثر ما يميزه أن رسالته صالحة لكل أوان و مكان لأن شخصية "زينب" متواجدة بكثرة في ربوع مصر. و هذا العمل الدرامي رغم قلة عدد حلقاته (10 حلقات فقط) إلا أنه نجح نجاحاً جماهيرياً و نقدياً باهراً و مازال يلقى صدى واسع عند عرضه. يستحق التقدير و الاحترام لما به من واقعية و تلقائية و احترام و حبكة درامية ما يكفي لتوصيل الرسالة لجميع فئات المجتمع دون كتابة (+16) أو (+18) – فأين مثل هذه الأعمال الآن - حيث انتشرت في الآونة الأخيرة الكثير من الأعمال التي تناقش موضوعات جانبية تافهة أو موضوعات جريئة لا داعي لذكرها أو مناقشتها.
أما العمل المذكور هنا يعتبر ذو أثر إيجابي على المشاهد فهو مَثل للتغلب على الظروف مهما بلغت قسوتها و عدم الاستسلام للمصاعب و العثرات. و هو أيضاً من الأعمال الجادة التي تركت أثر رائع في نفوس الجميع كما أنه يستحق المشاهدة حيث أن نتاجه عريض – و يضم نخبة كبيرة من الفنانين القديرين الذين شاركوا في نجاحه الباهر - فمنهم مَن مازالوا على قيد الحياة و منهم مَن رحمه الله ؛ و هم على سبيل المثال لا الحصر؛ عبد المنعم إبراهيم – مجدي وهبة – سوسن بدر – سامح الصريطي – نادية فهمي – إجلال زكي – نبيل الدسوقي – ناهد سمير – نادية رفيق – عيلة عبد المنعم – سيد عبد الكريم – الطفلان (آنذاك) معتز يحيى و وليد يحيى، موسيقى محمود خيري و جمال سلامة بالصوت الساحر المعبر صفاء أبو السعود – قصة و سيناريو و حوار الكاتبة فتحية العسال و إخراج المخرجة المتميزة إنعام محمد علي.
فالكثير من السيدات آنذاك احتذين بـ "زينب" و تعلمن رغم كبر سنهم و أكملن تعليهمن حتى وصلن للتعليم الجامعي – فلنهتم بتعليم و توعية بناتنا و لا نفعل كما فعلت والدة "زينب" فقد زوجتها حتى لا تثقل عليها بهمومها و مشاكلها و اعتقدت بذلك أنها قد اطمئنت عليها مع مثل هذا الزوج – فلنساعدهن حتى يصبحن زوجات و أمهات قادرات على مواجهة ظروف و مصاعب الحياة – فللأسف الحياة أصبحت صعبة و قاسية أكثر مما سبق و الضغوط النفسية و المادية و الاجتماعية على الأزواج و الزوجات في ازدياد مستمر.
العبرة ..... أن العقدة تكمن منذ النشاة و الصغر فهي مشكلة جيل – مشكلة تربية و نشئ – فإن كانت الأمهات من البداية على وعي لكانت والدة "صلاح" قد أنشأته و علمته على احترام المرأة و قيمتها و مكانها و كيفية احتوائها – على نفس المنوال والدة "زينب" كما سبق و ذكرنا كان أملها الأول و الأخير أن تزوج ابنتها حتى تطمئن عليها أو (تستّرها) كما يُقال – و هذا ناتج عن انعدام التعليم و التوعية - المشكلة ليست فقط مشكلة جيل بل هي مشكلة كل جيل – فهل من حل؟؟؟