جاري تحميل ... مجلة أيامنا

إعلان الرئيسية

كتاب أيامنا

عددنا الورقي

ترجم إلى

زيارات الموقع هذا الشهر

إعلان في أعلي التدوينة

ريم ماهر تكتب.... لمَ تُفرض الجماليات على النساء دون الرجال؟

 






يا بني الإنسان، أما آنَ لكم أن تنفضوا عن أبصاركم غشاوة الجهل، وأن تكسِروا قيود الظلم؟ أما كفاكم أن قد جعلتم الجمال قيدًا على الإناث، وأطلقتم للرجال العنان؟ أليس الرجل والمرأة في الخَلق سواء، فلمَ تُثقَّلُ كاهلُها بالمعايير، ويُتركُ هو طليقًا من كل قيد؟


إنّا لعمري في عصر قد غلّفت فيه الأقوال بالزيف، وصُبغت الأذهان بصبغة التحيّز، فكان الجمال للمرأة ميزانًا، وهو للرجل فضلٌ إن جاء، لا شرطٌ ولا قيد. فهلموا بنا، نغوصُ في أعماق هذا الفكر العقيم، ونكشفُ عن جَوره وظُلمه، علّنا نزيل الغبش عن القلوب والعقول.




١. الجمال عبر التاريخ: إرث الجور والتمييز


ما كان الجمال يومًا معيارًا مقصورًا على النساء، لكنه حُمل عليهن كما تُحمل الجبال، أما الرجال فما نالهم منه إلا لمحةٌ عابرة، إن وجدت، فلا حساب فيها ولا عقاب.


أما في الجاهلية، فقد كانت النساء يُنتقَين انتقاء التمور في أسواقها، لا يُنظر إليهن إلا بقدر ما يسرّ الأبصار، وكأنهن زخارف لا روح لهن.


وفي عصور الخلافة، ظن الناس أن الإسلام قد حرّر العقول، فإذا بالمجتمع يعيد الكرة، فيجعل من المرأة متاعًا يُقيّم بجماله، فيما الرجل يُقاس بعقله وسيفه ولسانه، لا بملامحه ولا بحُسنه.


ثم في عصرنا الحاضر، أصبح الجمال عند النساء ميزان القبول، فإن وافق مقاييس أهل العصر رُفعت منزلتها، وإن خالفها، أُقصيت عن القلوب والعيون، وما ذاك إلا لعقلٍ أُسر بجهله، وبصرٍ أُغشي عنه نور الحق.







٢. معايير الجمال: حين يُجعل القيد زينةً


للمرأة في معايير القوم حُكمٌ نافذ، لا يخرج عن لونٍ معين، أو قوامٍ مرسوم، أو شعرٍ ينساب كخيوط الشمس في يومٍ صحو، أما الرجل فلا ميزان له، فإن ظهر بهيًّا، زادته هيبته هيبة، وإن كان دميمًا، فحسبه فطنته وحنكته.


أما المرأة، فلا عذر لها إن زاد وزنها أو شحب لونها، ولا غفران إن اشتعلت في رأسها بيضاء، فإن فعلت، فالشيخوخة قرينتها، والوحدة مصيرها.


وأما الرجل، فإن بياض شعره وقار، وإن تجاعيد وجهه خبرة، وإن امتلأ جسده، فهو رمز للراحة والنعيم.


فيا قوم، أي عدلٍ هذا، وأي منطقٍ يُقيم الإنسان بمقياسين، فيرفع ذاك دون حساب، ويُثقل كاهل الأخرى بالعتاب؟







٣. دور الإعلام: حارس المعيار وظلّ السجان


إن في زماننا هذا، صارت المعايير لا تُبنى في العقول وحدها، بل ترسمها شاشاتٌ ومجلات، تحكم على المرأة بحكمٍ قاسٍ لا رحمة فيه.


أما الأفلام، فتختار لبطلاتها مَن وُهِبن ملامح الحور، فإن خالفتهن واحدة، كانت في الهامش، تُرمى أدوارها كما تُرمى الفتات للعابرين.


وأما الإعلانات، فقد جعلت الجمال سلعة، تُباع وتُشترى، فإن لم تسعَ المرأة لبلوغه، كانت في أعين الناس ناقصة، وإن سعت إليه، رُميت بالتصنع والغرور.


وأما الرجال، فما حاجتهم لكل هذا؟ إنهم يُعرَضون كما شاءوا، فإن كان الرجل سمينًا، قالوا: فيه مهابة، وإن شاب رأسه، قالوا: نور الحكمة أضاءه، وإن أهمل زينته، قالوا: رجولته تغنيه عن ذاك!


فيا لَلزيف، ويا لَلباطل! كيف يُقاس الرجل بما صنع، والمرأة بما جُبِلت عليه؟








٤. أثر هذا الجور على النساء


لا جرم أن لهذا الظلم في النفوس أثرًا، فقد صار همُّ الفتاة منذ طفولتها ألا تُخالف معيارًا، وألا تشذّ عن القاعدة، فإن فعلت، فالنقد لها بالمرصاد، والسخرية سهمٌ في قلبها لا يُنتزع.


أ. في نفسها:


لا ترى ذاتها إلا في مرآة الآخرين، فإن قالوا جميلة، رضيت، وإن انتقدوا، غرقت في كدرٍ لا فكاك منه.


قد تُنفق الأموال، وتتحمل الأوجاع، في عملياتٍ لا لشيء إلا لتُرضي عينًا لا ترى فيها الكمال.



ب. في مجتمعها:


يُنظر إليها كزينةٍ قبل أن تكون إنسانة، فإن لم توافق المعيار، كان مصيرها النسيان أو التجاهل.


تُحرم أحيانًا من فرصٍ عظيمة، لا لنقص في عقلها أو جهدها، بل لأن المظهر لا يوافق ما رُسم في الأذهان.



أما الرجل، فهو يسير في الأرض مطمئنًا، لا يُعاتَب على كِبر سنه، ولا يُحاسَب على زيادة وزنه، ولا يُطالَب بأن يكون صورةً طبق الأصل عن مَن سبقوه.








٥. كيف نكسر القيد ونحطم المعيار؟


يا بني آدم، إن الجمال ليس أسير صورةٍ تُحددها موضة، ولا رقمًا يُقاس بالموازين، ولا لونًا يُفرض بالقوة، بل هو تنوعٌ وثراءٌ واختلافٌ به تُبنى الحياة.


فإن أردنا العدل، فلابد من:


1. تحرير العقول من القيد: أن نُدرك أن الجمال ليس في الشكل وحده، بل في الروح والفكر.



2. إعادة النظر في الإعلام: أن يُمثل الناس كما هم، لا كما يود السماسرة أن يروهم.



3. إعطاء المرأة حقها في التقدير لما تصنع، لا لما تبدو عليه.







-فالمرأة ليست زهرًا يُنتقى لمظهره، بل عقلٌ وقلبٌ وروحٌ تسير في الأرض، تسعى، وتعمل، وتبني. أفلا ننظر إلى ما بَنَت بدل أن نحصرها في مرآةٍ لا تعكس إلا ظاهرها؟


أما آن أن تتساوى الكفّتان، فلا يُثقل الميزانُ على النساء، ويُترك الرجال بلا حساب؟ أم أن العدل لا يزال بعيدًا، لا يُطال إلا في الأحلام؟

بقلم/

ريم ماهر. 



إعلان في أسفل التدوينة

إتصل بنا

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

أيامنا: هي مجلة ثقافية واجتماعية وشاملة تصدر عن مؤسسة شمس العرب الصحفية, كما أن المجلة تضم عددها الورقي

برمجة وتصميم © شركة أوزيان2022

برمجة المهندس © مصطفى النمر2022