جاري تحميل ... مجلة أيامنا

إعلان الرئيسية

كتاب أيامنا

عددنا الورقي

ترجم إلى

زيارات الموقع هذا الشهر

إعلان في أعلي التدوينة

في محراب الصندوق: العدالة تمشي على تراب جريس





متابعة ميدانية: ريم ماهر

لجنة جريس – محافظة المنوفية


في قلب الريف المصري، حيث لا تُقاس الأشياء بالضوضاء بل بالصدق، وحيث الزمن لا يركض بل يتأمل، كانت جريس — القرية الصغيرة المغمورة بالهدوء — على موعد مع لحظة تُعيد تعريف علاقتها بالدولة، بالقانون، وبنفسها.


وليست الانتخابات مجرد حدثٍ في روزنامة الجمهورية، بل هي طقسٌ يخصّ الوعي، ويختبر معادن الضمائر. وفي جريس، لم تكن أوراق الاقتراع مجرد أدواتٍ إجرائية، بل كانت أشبه برسائل يكتبها الناس إلى وطنهم، بخط اليد، وبختم الأمل.


في هذا السياق، لا بدّ أن نلتفت إلى من وقفوا على الحافة بين الفوضى والنظام، بين التداخل الشعبي وروح القانون. وهنا تبرز هيبة المستشار إيهاب عبدالرؤوف، ممثل هيئة قضايا الدولة، لا كصورة رسمية، بل كظلّ قاضٍ يفهم أن العدالة في القرى ليست فقط نصوصًا، بل أنفاسًا تُحسّ، ونظراتٍ تُقرأ، وكلمة حقّ قد تغيّر المزاج العام للثقة.


كان حضوره في اللجنة أقرب إلى ما يمكن وصفه بـ"السكون المسؤول". لا ضجيج في إدارته، ولا تكلّف في قراراته. بدا كأنه جزء من المكان، مكوّن من عناصره، وكأن جدران اللجنة اعتادت وجهه، أو ربما احترمته قبل أن يعرفه الناس. وبهذا الأسلوب الصامت، طوّق المشهد بحزم ناعم، جعل من اللجنة نموذجًا يُحتذى، لا فقط في التنظيم، بل في الشعور العام بأن هناك من يُنصت، ومن يراقب لا ليُدين، بل ليحمي.


في جريس، لم يكن الناس يأتون إلى الصناديق فقط ليصوّتوا، بل ليشعروا أنهم مرئيّون. وقد كان المستشار عبدالرؤوف عدسةً صافيةً لهذا الظهور، لا يتدخّل فيما لا يجب، ولا يتراجع عما ينبغي أن يُقال. بدا كأنه يسير على خيط رفيع بين الحياد والنُبل، بين الصرامة والرقي، بين النصّ والنية.


والإشراف الانتخابي هنا لم يكن "وظيفة"، بل حالة وجدانية يتداخل فيها القانون بالضمير. لا تُقاس بالكاميرات، بل بتلك اللحظة التي يتردّد فيها المواطن البسيط أمام اسمه في الكشوف، فينظر إليه المسؤول ويبتسم بثقة: "نعم، هذا أنت، وهذا حقك."


لقد صنعت هيئة قضايا الدولة في هذا المشهد درسًا خفيًا، مفاده أن السلطة حين تُمارس بحكمة، تصبح قوة ناعمة تحفظ الكرامة بدل أن تُرهبها. والمستشار إيهاب، بهذا التوازن البشري قبل القانوني، أعاد ترتيب العلاقة بين المواطن والدولة من موقعه المؤقت في لجنة جريس، الذي بدا وكأنه مسرح صغير يُعرض فيه مشهد كبير: كيف يمكن للقاضي أن يكون الوجه المُضيء للعدالة، لا سيفها فقط.


ولعل ما حدث في هذا اليوم، بعيدًا عن السياسة وأرقام المشاركة، هو أن الناس خرجوا من اللجنة وهم يشعرون أنهم شاركوا في شيء أسمى من التصويت: شاركوا في بناء صورة نقية عن العدالة، في يومٍ أشرقت فيه الدولة من نافذة قرية. 



ففي الأزمنة التي يُثقل فيها الضجيج أسماعنا، يصبح الصمت العادل أعظم بلاغة. والمستشار إيهاب عبدالرؤوف لم يكن خطيبًا، بل كان موقفًا. موقفًا يُذكّرنا أن القاضي لا يحتاج لمنصة عالية ليفرض احترامه، بل يحتاج فقط أن يكون نزيهًا حين يتوارى الجميع، وأن يحمل القانون كما يحمل المريض وصفته: لا ليُعاقب، بل ليُعالج.

ومن جريس، خرج الدرس بلا شعارات:

العدالة لا تحتاج إلى مدينة كي تُمارَس، يكفيها رجل واحد… وموقفٌ صحيح.

إعلان في أسفل التدوينة

إتصل بنا

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

أيامنا: هي مجلة ثقافية واجتماعية وشاملة تصدر عن مؤسسة شمس العرب الصحفية, كما أن المجلة تضم عددها الورقي

برمجة وتصميم © شركة أوزيان2022

برمجة المهندس © مصطفى النمر2022